«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
2.3K subscribers
2.07K photos
457 videos
15 files
449 links
قال ﷺ : (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً)

*🍃🌹‏(( من جماليات وسائل التواصل أن يفتح الله لك فتكتب نورًا يُهتدى به.. أو فائدة يُنتفعُ بها.. أو مواساة طيّبة فيتناقلها الناس من بعدك.. تظلّ سلوى في أحزانهم.. وأُنساً في وحشتهم.. تموتُ أنت ويبقى ما كتبته يداك حيًّا
Download Telegram
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٠ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الطارق ❤️

◀️
﴿فَمَهِّلِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَیۡدَۢا﴾ [الطارق ١٧]

🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الطارق) قال عز وجل: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق ١٧] (مَهِّلْ) و(أَمْهِلْ) معناهما واحدٌ؛ يعني: انتظِرْ بِمُهلة، ولا تنتظرْ بِمُهلةٍ طويلة، ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ أي: قليلًا. و﴿رُوَيْدًا﴾ تصغير (رَوْد) أو (إرواد)، والمراد به الشيء القليل.

✴️ وفي هذه الآية تهديدٌ لقريش، وتسليةٌ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووعدٌ له بالنصر، وحصل الأمر كما أخبر الله عز وجل؛ خرج النبيُّ عليه الصلاة والسلام مهاجرًا منهم وحصل بينه وبينهم حروب، وفي السنة الثانية من الهجرة قُتِل من صناديد قريش وكُبَرائهم وزعمائهم نحو أربعةٍ وعشرين رجلًا منهم قائدهم أبو جهل، وبعد ثماني سنوات، بل أقل من ثماني سنوات، دخل النبيُّ ﷺ مكة فاتحًا منصورًا ظافرًا، حتى إنَّه قال -كما جاء في التاريخ- قال وهو ممسِكٌ بعِضَادتَيْ(١) باب الكعبة وقريش تحته، قال لهم: «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟»؛

🔹 لأنَّ الأمر أصبح أمرُهم بيده عليه الصلاة والسلام، «مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟» قالوا: أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم. فقال: «إِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ:» ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ «[يوسف: ٩٢]، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»(٢).

🔸 وإنما مَنَّ عليهم هذه المنَّة عليه الصلاة والسلام لأنهم أسلموا، وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال ٣٨]. هذا هو آخر هذه السورة من كتاب الله عز وجل، وإنِّي في نهايتها أحثُّكم على تدبُّر القرآن وتفهُّم معناه، خذوا معناه من أفواه العلماء الموثوقين أو مِن كُتُب التفسير الموثوقة؛ مثل: تفسير ابن كثير، تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وما أشبههما من التفاسير التي تعرفون أصحابها أنهم موثوقون في عقيدتهم وفي آرائهم. نسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن يتلون كتابَ الله حقَّ تلاوته، وأن ينفعنا به، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(١) عِضادتَا الباب هما خشبتاه من جانبيه.
(٢) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (١١٢٣٤)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٥٣٣١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. إلا قوله: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» فأخرجه الطبري في التاريخ (٣ / ٦١) من حديث قتادة بن دعامة مرسلًا.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الأعلي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
فابْتَدَأ سُورَةَ الإسْراءِ الَّتِي هي سُورَةُ الإحْسانِ بِ ”سُبْحانَ“ المَصْدَرُ الصّالِحُ لِجَمِيعِ مَعانِيهِ إعْلامًا بِأنَّ هَذا المَعْنى ثابِتٌ لَهُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِن زَمانٍ أوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ ثَنى بِالماضِي في أوَّلِ الحَدِيدِ والحَشْرِ والصَّفِّ تَصْرِيحًا بِوُقُوعِ ما أفْهَمَهُ المَصْدَرُ في الماضِي الَّذِي يَشْمَلُ أزَلَ الآزالِ إلى وقْتِ الإنْزالِ، ثُمَّ ثُلْثٌ في أوَّلِ الجُمْعَةِ والتَّغابُنِ بِالمُضارِعِ لِأنْ يَفْهَمَ مَعَ ما أفْهَمَ المَصْدَرَ والماضِي دَوامَ التَّجَدُّدِ، فَلَمّا تَمَّ ذَلِكَ مِن جَمِيعِ وُجُوهِهِ تَوَجَّهَ الأمْرُ فَخُصَّتْ بِهِ سُورَتُهُ، وقَدْ مَضى في أوَّلِ الحَدِيدِ والجُمْعَةِ ما يُتَمِّمُ هَذا.

(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٢ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الأعلي ❤️

◀️
﴿ٱلَّذِی خَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ [الأعلى ٢]

🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الاعلي) عند قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى ٢]، ﴿خَلَقَ﴾ يعني: أوجَدَ من العدم، كلُّ المخلوقات أوجدها الله عز وجل؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] سبحان الله! الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا﴾ استمع، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج ٧٣]، واللَّهِ مثلٌ عظيم، كلُّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له.

🔹 لو يجتمع جميع الآلهة التي تُعبَد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذبابًا واحدًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدَّمت الصناعة هذا التقدم الهائل، لو اجتمع كلُّ هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذبابًا ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدميًّا آليًّا، ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا، هذا الآدمِيُّ الآلِيُّ ما هو إلا آلات تتحرَّك فقط، لكنْ لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحترُّ، ولا تَبرد، ولا تتحرَّك إلا بتحريك. الذبابُ لا يمكن أن يخلقه كلُّ مَن سِوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يَخلق؟ بكلمةٍ واحدةٍ؛ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، كلمة واحدة، الخلائق كلُّها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زَجَرها الله زجرةً واحدةً: اخرجي.

🔸فتخرج؛ ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٥٣]، كلُّ العالَم من إنسٍ وجنٍّ ووحوشٍ وحشراتٍ وغيرها، كلُّها يوم القيامة تُحشَر بكلمةٍ واحدة.إذَن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يَخلق معه، والخلْق لا يُعسره ولا يُعجزه، وهو سهلٌ عليه، ويكون بكلمةٍ واحدة.

وقوله: ﴿فَسَوَّى﴾، ﴿خَلَقَ فَسَوَّى﴾ يعني: سَوَّى ما خَلَق على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسِبة؛ الإنسان مثلًا قال الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار ٧، ٨]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، لا يوجد في الخلائق شيءٌ أحسنُ من خِلقة الإنسان؛ رأسُه فوق، وقلبُه في الصدر، وعلى هيئةٍ تامَّة، ولهذا أول مَن يدخل في قوله: ﴿فَسَوَّى﴾ هو تسوية الإنسان، ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ كلُّ شيءٍ يُسَوَّى على الوجه الذي يكون لائقًا به.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٣ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الأعلي ❤️

◀️
﴿وَٱلَّذِی قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾ [الأعلى ٣]

🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] قدَّرَ كلَّ شيءٍ عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان ٢]، قدَّره في حاله وفي مآله، في ذاته وفي صفاته، كلُّ شيءٍ له قَدْرٌ محدودٌ، الآجال محدودة، الأحوال محدودة، الأجسام محدودة، كلُّ شيءٍ مقدَّر تقديرًا كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.

🔹 وقوله: ﴿فَهَدَى﴾ يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية: الهداية الكونية أنَّ الله هدى كلَّ شيءٍ لِمَا خُلِق له؛ قال فرعون لموسى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٤٩، ٥٠]، تجد كلَّ مخلوقٍ قد هداه الله تعالى لِمَا يحتاج إليه؛ الطفل الآن.. انظر إلى الطفل إذا خرج من بطن أمِّه وأراد أن يرضع، هل فيه أحد يقول: ارفعْ رأسَك، ارضعْ من الثدي؟ لا.

✴️ ولو كان فيه أحد ما فَقَه، لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه. وانظر إلى أدنى الحشرات؛ النمل مثلًا، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكانٍ مرتفعٍ من الأرض، على ربوةٍ من الأرض، لماذا؟ تخشى من السيول تدخل بيوتها فتُفسدها، أيضًا إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعامٌ من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلَّا يعفن، وهي قبل أن تدَّخره تأكل أطرافها -أطرافَ الحبَّة- لئلَّا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهَد مجرَّب، مَن الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، هذه هداية كونية؛ أنَّه هَدَى كلَّ مخلوقٍ لِمَا يحتاج إليه.أمَّا الهداية الشرعية -وهي الأهمُّ بالنسبة لبني آدم- فهي أيضًا بيَّنها الله عز وجل، حتى الكفَّار قد هداهم الله؛ يعني بيَّن لهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، والعياذ بالله، استحبُّوا الكفرَ على الإيمان.

🔁 الهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم؛ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]، وإنما أخبرنا الله بذلك لأجْل أن نلجأ إليه في جميع أُمورنا؛ إذا عَلِمنا أنَّه هو الخالق بعد العَدَم وأصابنا المرض إلى مَن نلجأ؟ نعم، إلى الله، الجأْ إلى الله؛ لأنَّ الذي خَلَقك وأَوْجدك من العدم قادرٌ على أن يصحِّح بَدَنك، إذَن الجأ إلى ربك، اعتمدْ عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء لكنْ مع اعتقاد أنَّ هذا الدواء مثلًا سببٌ من الأسباب جَعَله الله عز وجل، وإذا شُفيتَ بهذا السبب فمَن الذي شفاك؟ الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواءَ سببًا لشفائك، ولو شاء لَجعل هذا الدواء سببًا لهلاكك، فإذا عَلِمنا أنَّ الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلِّها إلى الله عز وجل، إذا عَلِمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته؛ حتى نَصِل إلى ما أعدَّ لنا ربُّنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإيَّاكم الصراط المستقيم، وأن يُحِلَّنا وإيَّاكم دارَ كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين.

🔴 وإلى هنا ينتهى درس النهاردة ، وأحثُّكم مرَّةً أخرى على تعلُّم معاني آيات القرآن، إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقةً فعليكم بمعرفة معناه، لكن مِن أين؟ من العلماء الموثوقين، أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأنَّ الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم مَن هُدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم مَن حصل له انحرافٌ لسببٍ من الأسباب؛ إمَّا لقُصور عِلْمه أو فَهْمه، أو سوء نيَّته؛ لأنَّ الإنسان قد يُحرَم الصوابَ بسبب سوء النيَّة والعياذ بالله.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٤ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الأعلي ❤️

◀️
﴿وَالَّذي أَخرَجَ المَرعى۝فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحوى﴾ [الأعلى: ٤-٥]

🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ﴾ [الأعلى ٤]
ولَمّا كانَتْ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ تارَةً بِالنَّفْسِ وتارَةً بِالآفاقِ، ونَبَّهَ بِآياتِ النَّفْسِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا آياتُ الآفاقِ، وكانَ النَّباتُ مِن آياتِها أدَلَّ المَخْلُوقاتِ عَلى البَعْثِ قالَ: ﴿والَّذِي أخْرَجَ﴾ أيْ أوْقَعَ إخْراجَ ﴿المَرْعى﴾ بِما أنْزَلَ مِنَ المُعْصِراتِ فَأنْبَتَ ما تَرْعاهُ الدَّوابُّ مِنَ النَّجْمِ وغَيْرِهِ بَدْءًا وإعادَةً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى تَمامِ قُدْرَتِهِ لا سِيَّما عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أقْدَرُ عَلى جَمْعِ الأمْواتِ مِنَ الأرْضِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أنْ تَفَتَّتُوا مِنَ الماءِ عَلى جَمْعِهِ لِلنَّباتِ الَّذِي كانَ تُفَتَّتُ في الأرْضِ وصارَ [تُرابًا و-] إخْراجُهُ كَما كانَ في العامِ الماضِي بِإذْنِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وهو خَلْقٌ مِن مَخْلُوقاتِهِ.

🔸وقوله﴿فَجَعَلَهُۥ غُثَاۤءً أَحۡوَىٰ﴾ [الأعلى ٥]
ولَمّا كانَ إيباسُهُ وتَسْوِيدُهُ بَعْدَ اخْضِرارِهِ ونُمُوِّهِ في غايَةِ الدَّلالَةِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ وكَمالِ الِاخْتِيارِ بِمُعاقَبَةِ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ قالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلَهُ﴾ أيْ بَعْدَ أطْوارٍ مِن زَمَنِ إخْراجِهِ ﴿غُثاءً﴾ أيْ كَثِيرًا، ثُمَّ أنْهاهُ فَأيْبَسَهُ وهَشَّمَهُ ومَزَّقَهُ فَجَمَعَ السَّيْلَ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ فَجَعَلَهُ زَبَدًا وهالِكًا وبالِيًا وفُتاتًا عَلى [وجْهِ - ] الأرْضِ ﴿أحْوى﴾ أيْ في غايَةِ الرَّيِّ حَتّى صارَ أسْوَدَ يَضْرِبُ إلى خُضْرَةٍ، أوْ أحْمَرَ يَضْرِبُ إلى سَوادٍ، أوِ اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ فَصارَتْ تَضْرِبُ إلى سَوادٍ،

▫️وقالَ القَزّازُ رَحِمَهُ اللَّهُ في دِيوانِهِ: الحُوَّةُ شِيَةٌ مِن شِياتِ الخَيْلِ، وهى بَيْنَ الدُّهْمَةِ والكُمْتَةِ، وكَثُرَ هَذا حَتّى سَمَّوْا كُلَّ أسْوَدَ أحَوى - انْتَهى. فَيَجُوزُ أنْ يُرِيدَ حِينَئِذٍ أنَّهُ أسْوَدُ مِن شِدَّةِ يَبْسِهِ فَحَوَتْهُ الرِّياحُ وجَمَعَتْهُ مِن كُلِّ أوْبٍ حَيْثُ تُفَتَّتُ، فَكُلٌّ مِنَ الكَلِمَتَيْنِ فِيها حَياةٌ ومَوْتٌ، وأخَّرَ الثّانِيَةَ لِتَحَمُّلِهِما لِأنَّ دَلالَتَها عَلى الخُضْرَةِ أتَمُّ، فَلَوْ قُدِّمَتْ لَمْ تُصْرَفْ إلى غَيْرِها، فَدَلَّ جَمْعُهُ بَيْنَ الأضْدادِ عَلى الذّاتِ الواحِدَةِ عَلى كَمالِ الِاخْتِيارِ، وأمّا الطَّبائِعُ فَلَيْسَ لَها مِنَ التَّأْثِيرِ الَّذِي أقامَها سُبْحانَهُ فِيهِ إلّا الإيجابِيُّ كالنّارِ مَتى أصابَتْ شَيْئًا أحْرَقَتْهُ، ولا تَقْدِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ تَنْقُلَهُ إلى صِفَةٍ أُخْرى غَيْرِ الَّتِي أثَرْتَها فِيهِ، وأشارَ بِالبِدايَةِ والنِّهايَةِ إلى تَذَكُّرِ ذَلِكَ، وأنَّهُ عَلى سَبِيلِ التَّكْرارِ في كُلِّ عامٍ الدّالُّ عَلى بَعْثِ الخَلائِقِ، وخُصَّ المَرْعى لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى البَعْثِ لِأنَّهُ مِمّا يُنْبِتُهُ النّاسُ، وإذا انْتَهى تَهَشَّمَ وتَفَتَّتَ وصارَ تُرابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ سُبْحانَهُ بِالماءِ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ سَواءٌ [ كَما يَفْعَلُ بِالأمْواتِ سَواءٌ - ] مِن غَيْرِ فَرْقٍ أصْلًا.

(نظم الدرر للبقاعي — البقاعي (٨٨٥ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٥ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الأعلي ❤️

◀️
﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ (٦) إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا یَخۡفَىٰ (٧)﴾ [الأعلى ٦-٧]

🔲 الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. نتكلَّم على ما بَقِي من سورة (سبح اسم ربك الأعلى)

من قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ [الأعلى ٦ - ٨]، فهذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه يُقرئه القرآنَ ولا ينساه الرسول، يُقرئه إيَّاه ولا ينساه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجَّل إذا جاء جبريل يُلقِي عليه الوحي، فقال الله له: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٦ - ١٩]، فصار النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُنصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه👌

🔹 وهنا يقول: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ يعني: إلا ما شاء الله أن تنساه، فإنَّ الأمر بيده عز وجل؛ ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد ٣٩]، ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة ١٠٦، ١٠٧]، وربما نُسِّيَ النبيُّ ﷺ آيةً من كتاب الله ولكنَّه سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي إنَّ الله تعالى يعلم الجهر؛ ما يجهر به الإنسان ويتكلَّم به مسموعًا. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ أي: ما يكون خفيًّا لا يُظهَر فإنَّ الله يعلمه؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [الفاتحة ١٦]، فهو يعلم -عز وجل- الجهرَ ويعلم أيضًا ما يخفى.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٦ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الأعلي ❤️

◀️
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِليُسرى۝فَذَكِّر إِن نَفَعَتِ الذِّكرى﴾ [الأعلى: ٨-٩]

🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ وهذا أيضًا وعدٌ من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن يُيَسِّره لليُسرى، فما هي اليُسرى؟اليُسرى أن تكون أموره مُيَسَّرة، ولا سيَّما في طاعة الله عز وجل، ولَمَّا أخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من أحدٍ من الناس إلا وقد كُتِب مقعده من الجنَّة ومقعدُه من النار، كلُّ بني آدم مكتوبٌ مقعده من الجنَّة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، قالوا: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العملَ ونتَّكل -يعني على ما كُتِب- قال: «لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، فأهل السعادة يُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة يُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ٧](١).

✴️ وهذا الحديث يقطع حُجَّة مَن يحتجُّ بالقَدَر على معاصي الله فيعصي اللَّهَ ويقول: هذا مكتوبٌ عليَّ. نقول: هذا غلط؛ لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، هل أحدٌ يحجزك عن العمل الصالح لو أردتَه؟ أبدًا. هل أحدٌ يجبرك على المعصية لو لم تُرِدها؟ أبدًا، لا أحد. ولهذا لو أنَّ أحدًا أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثمٌ، ولا يترتَّب على فِعْلك لها ما يترتَّب على فعل المختار لها، حتى إنَّ الكفر وهو أعظم الذنوب قال الله تعالى فيه: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل ١٠٦]،

▫️ إذَنْ نقول: اعملْ أيُّها الإنسان، اعمل الخيرَ، تجنَّب الشرَّ؛ حتى يُيَسِّرك الله لليُسرى ويُجَنِّبك العُسرى، فرسول الله ﷺ وَعَده الله بأن يُيَسِّره لليُسرى فيُسَهِّل عليه الأمور، ولهذا لم يَقَع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شِدَّةٍ وضَنْكٍ إلا وجد له مخرجًا عليه الصلاة والسلام.

ثم أَمَره تعالى أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩] يعني: ذَكِّر الناس، ذَكِّرهم بآيات الله، ذَكِّرهم بأيام الله، عِظْهم.

🔹﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ يعني: في محلٍّ تنفع فيه الذِّكْرى، وعلى هذا فتكون ﴿إِنْ﴾ شرطية، والمعنى: إنْ نفعت الذِّكرى فذَكِّر، وإنْ لم تنفع فلا تُذَكِّر؛ لأنَّه لا فائدة من تذكير قومٍ نعلم أنَّهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية.

✴️ وقال بعض العلماء: المعنى: ذَكِّرْ على كلِّ حالٍ إنْ كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذِّكرى، فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنَّه لا يُذكِّر إلا إذا نفعتْ، بل المعنى: ذَكِّر إنْ كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير. فالمعنى على هذا القول: ذَكِّر بكلِّ حالٍ والذِّكْرى سوف تنفع.

🔁 تنفع مَن؟ تنفع المؤمنين، وتنفع الْمُذكِّر أيضًا، فالْمُذكِّر منتفعٌ على كلِّ حال، والْمُذكَّر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفعْ بها فإنَّ ذلك لا ينقص من أجر المذكِّر شيئًا، إذَنْ نحن نُذَكِّر سواءٌ نفعت الذِّكْرى أمْ لم تنفع.

✴️ وقال بعض العلماء: إنْ ظنَّ أنَّ الذِّكْرى تنفع وجبتْ، وإنْ ظنَّ أنها لا تنفع فهو مخيَّر؛ إنْ شاء ذَكَّر وإن شاء لم يُذَكِّر، ولكن على كلِّ حالٍ نقول: لا بدَّ من التذكير، حتى وإنْ ظننتَ أنها لا تنفع فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناسُ أنَّ هذا الشيء الذي ذَكَّرتَ عنه إمَّا واجبٌ وإمَّا حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرَّم قال الناس: لو كان هذا محرَّمًا لذَكَّر به العلماء، أو: لو كان هذا واجبًا لذَكَّر به العلماء، فلا بدَّ من التذكير، ولا بدَّ من نَشْر الشريعة سواءٌ نفعتْ أمْ لم تنفع.ثم ذكر الله عز وجل مَن سيَذَّكَّر ومَن لا يَذَّكَّر، وسنتكلم عليه إن شاء الله في الجلسة القادمة أو في اللقاء القادم.

(١) أخرجه مسلم (٢٦٤٧ / ٦) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ: «اعملوا، فكلٌّ ميسَّر؛ أمَّا أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأمَّا أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة». ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ١٠].

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٧ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الأعلي ❤️

◀️
﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ (١٠) وَیَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى (١١) ٱلَّذِی یَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ (١٢) ثُمَّ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ (١٣)﴾ [الأعلى ١٠-١٣]

🔲 موضوع مقدمة هذا الدرس هو الكلام على قول الله تبارك وتعالى في سورة الأعلى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ [الأعلى ١٠، ١١] أَمَر الله سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُذَكِّر فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾، ثم قال: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ فبَيَّن تعالى أنَّ الناس ينقسمون بعد الذِّكرى إلى قِسمين:

🟡 القِسم الأول: مَن يخشى اللَّهَ عز وجل؛ أي: يخافه خوفًا عن علمٍ لعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذُكِّر بآيات ربِّه تذكَّر؛ كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان ٧٣]، فمَن يخشى الله ويخاف الله إذا ذُكِّر ووُعِظ بآيات الله اتَّعظ وانتفع.

🔵 أمَّا القِسم الثاني فقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ أي: يتجنَّب هذه الذِّكرى ولا ينتفع بها الأشقى.

🔸﴿الْأَشْقَى﴾ هنا اسم تفضيل من الشقاء، وهو ضدُّ السعادة؛ كما في سورة هود: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود ١٠٦]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ [هود ١٠٨]، فالأشقى -والعياذ بالله- المتَّصفُ بالشقاوة، يتجنَّب الذِّكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتَها، وهذا هو الكافر؛ فإنَّ الكافر يُذَكَّر ولا ينتفع بالذِّكرى، ولهذا قال: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى ١٢، ١٣] الذي يَصْلى النارَ الموصوفةَ بأنها الكُبرى، وهي نار جهنم.

✴️ لأنَّ نار الدنيا صُغرى بالنسبة لها؛ فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ نار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار الآخرة(١)؛ أي إنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا، والمراد نار الدنيا كلِّها، ما هي نار مخصوصة، أشدُّ ما يكون من نار الدنيا فإنَّ نار الآخرة فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا، ولهذا وَصَفها بقوله: ﴿النَّارَ الْكُبْرَى﴾.

🔹﴿ثُمَّ﴾ إذا صلاها ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ المعنى: لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياةً سعيدةً، وإلا فهُم أحياءٌ في الواقع، لكن أحياءٌ يُعذَّبون؛ ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء ٥٦]، كما قال الله عز وجل ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ﴾ وهو خازن النار ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ يعني ليُهلِكْنا ويُرِحنا من هذا العذاب ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف ٧٧]، ولا راحة، ويقال لهم: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ [الزخرف ٧٨]، هذا معنى قوله: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾، لأنه قد يُشْكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حيٌّ ولا ميِّت، والإنسانُ إمَّا حيٌّ وإمَّا ميِّت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتةً يستريح بها، ولا يحيا حياةً يَسْعد بها، فهو -والعياذ بالله- في عذابٍ وجحيمٍ وشدَّةٍ، يتمنَّى الموتَ ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾.

(١) أخرج البخاري (٣٢٦٥)، ومسلم (٢٨٤٣ / ٣٠) واللفظ له، عن أبي هريرة أنَّ النبي ﷺ قال: «نارُكم هذه التي يوقِد ابنُ آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من حرِّ جهنم». قالوا: واللهِ إنْ كانت لَكافيةً يا رسول الله. قال: «فإنها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا كلُّها مِثْل حرِّها».

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
✴️ ومِن ذِكْر الله عز وجل خطبة الجمعة؛ فإنَّ خطبة الجمعة مِن ذِكْر الله لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة ٩]، وعلى هذا فقوله: ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ﴾ يعني الخطيب يوم الجمعة ﴿فَصَلَّى﴾ أي: صلاة الجمعة، فهذه الآية تشمل كلَّ الصلوات التي يسبقها ذِكْر، وما من صلاةٍ إلا ويسبقها ذِكْرٌ في الغالب. نعم،

🔹قد يصلِّي الإنسانُ صلاةً قد توضأ فيها من قبل، لكن الغالب أنَّ الإنسان يتوضأ قُبيل الصلاة فيذكر اسمَ الله ثم يصلي.

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾، هذه الجملة جملة فعليَّة مؤكَّدة بـ(قَدْ) ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾، والفلاح كلمةٌ عامَّة يُراد بها النجاةُ من المكروه والفوزُ بالمحبوب.

🔹 وقوله: ﴿مَنْ تَزَكَّى﴾ أي: مَن تطهَّر ظاهرُه وباطنُه؛ فتطهَّر باطنُه من الشرك بالله عز وجل، ومن الشك، ومن النفاق، ومن العداوة للمسلمين والبغضاء، وغير ذلك مما يجب أن يتطهَّر القلب منه، وتطهَّر ظاهرُه من إطلاق لسانه وجوارحه في العدوان على عباد الله عز وجل؛ فلا يغتاب أحدًا، ولا ينمُّ عن أحد، ولا يسبُّ أحدًا، ولا يعتدي على أحدٍ بضربٍ أو جَحْدِ مالٍ أو غير ذلك، فالتزكِّي كلمة عامَّة تشمل التطهُّرَ من كلِّ درنٍ ظاهرٍ أو باطنٍ.

🔸﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾، ﴿ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ﴾ أي: ذكر اللَّهَ، ولكنَّه ذكر سبحانه وتعالى الاسمَ من أجْل أن يكون الذِّكر باللسان؛ لأنَّ الذِّكر باللسان ينطق اللسان فيه باسم الله؛ فيقول مثلًا: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فيذكر اسم الله.

✴️ وقد ذكر بعض العلماء أنَّ المراد بذِكر اسم الله هنا خطبةُ الجمعة؛ لقوله بعد ذلك: ﴿فَصَلَّى﴾، ولكن الصحيح أنها أعمُّ من هذا وأنَّ المراد به كلُّ ذِكْرِ اسمِ الله عز وجل؛ أي: كلَّما ذَكَر الإنسانُ اسمَ الله اتَّعظَ وأقبلَ إلى الله وصلَّى، والصلاة معروفة؛ هي عبادةٌ ذاتُ أقوالٍ وأفعالٍ مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.

(١) أخرج مسلم (٥٤ / ٩٣)، وأبو داود (٥١٩٣) واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلُّكم على أمرٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
(٢) متفق عليه؛ البخاري (١٢)، ومسلم (٣٩ / ٦٣)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٧٩ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الأعلي ❤️

◀️
﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا (١٦) وَٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰۤ (١٧)﴾ [الأعلى ١٦-١٧]

🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الأعلي) عند قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧] ﴿بَلْ﴾ هنا للإضراب الانتقالي.

🔹 لأنَّ (بل) تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي؛ أي إنَّه سبحانه وتعالى انتقل ليبيِّن حالَ الإنسان أنَّه مُؤْثِرٌ للحياة الدنيا لأنها عاجلة، والإنسان خُلِق من عَجَل ويحبُّ ما فيه العجلة، فتجده يُؤْثِر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصْفها دُنيا؛ دُنيا زمنًا، ودُنيا وصفًا؛ أمَّا كونُها دُنيا زمنًا فلأنها سابقةٌ على الآخرة فهي متقدِّمةٌ عليها، والدُّنُوُّ بمعنى القُرب، وأمَّا كونُها دُنيا ناقصة، فكذلك هو الواقع، فإنَّ الدنيا مهما طالت بالإنسان فإنَّ أَمَدَها الفناء، فإنَّ منتهاها الفناء، ومهما ازدهرتْ للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمرُّ بك يومٌ في سرورٍ إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:

فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّْتأمَّلْ حالَك في الدنيا تجدْ أنَّه لا يمرُّ بك وقتٌ ويكون الصفو فيه دائمًا بل لا بدَّ من كَدَر، ولا يكون السرور دائمًا بل لا بدَّ من حزن، ولا تكون راحةٌ دائمًا بل لا بدَّ من تعب، فالدنيا على اسمها دُنيا.

﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى، خيرٌ؛ فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا يُنَغَّص بكَدَر؛ ﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر ٤٨]، كذلك أيضًا هي أبقى من الدنيا؛ لأنَّ بقاء الدنيا -كما أسلفْنا- قليلٌ زائلٌ مضمحِلٌّ، بخلاف بقاء الآخرة فإنَّه أبد الآبدين.

🔹وقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: ١٨، ١٩].﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي: ما ذُكِر من كون الإنسان يُؤْثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمَّنته الآيات من المواعظ ﴿فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ أي: السابقة على هذه الأُمَّة. ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ وهي صُحُفٌ جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوبُ وتَصلح به الأحوال.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إيَّاكم ممن أُوتي في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً ووقاه الله عذابَ النار.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي_سورة_الغاشية ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٨٠ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الغاشية ❤️

◀️
﴿هَل أَتاكَ حَديثُ الغاشِيَةِ۝وُجوهٌ يَومَئِذٍ خاشِعَةٌ۝عامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ [الغاشية: ١-٣]

🔲 نبدأ هذا المجلس بتفسير سورة الغاشية، يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية ١]، والبسملة آيةٌ من كتاب الله مستقلَّة، ليستْ من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، بل هي آيةٌ مستقلَّة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأنَّ أول الفاتحة هو ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وهلُمَّ جرًّا.

يقول الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ الخِطاب إمَّا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإمَّا لكلِّ مَن يصحُّ خطابُه، وهذا يأتي في القرآن كثيرًا؛ يوجِّه الله الخطابَ ويكون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لكلِّ مَن يتأتَّى خطابُه ويصحُّ خطابُه، إلا أنَّه أحيانًا يتعيَّن أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام؛ مثل ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] هذا لا يمكن أن يكون إلا للرسول ﷺ.وأحيانًا يترجَّح العموم؛ مثل ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق ١]، فهذا أول الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام، وآخره ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ عامٌّ.

▫️فقوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ يجوز أن يكون الخطاب موجَّهًا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحده وأُمَّتُه تَبَعٌ له، ويجوز أن يكون عامًّا لكلِّ مَن يتأتَّى خطابهم.

✴️ والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف ١٠]، ويجوز أن يكون للتعظيم؛ لعِظَم هذا الحديث عن الغاشية.﴿حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ أي: نَبَؤُها، فالغاشية هي الداهية العظيمة التي تَغْشى الناسَ، وهي يوم القيامة التي تحدَّث الله عنها في القرآن كثيرًا ووَصَفها بأوصافٍ عظيمة؛ مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج ١، ٢].

🔹ثم قَسَّم الله سبحانه وتعالى الناسَ في هذا اليوم إلى قِسمين فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ [الغاشية ٢، ٣]، ﴿خَاشِعَةٌ﴾ أي: ذليلة؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى ٤٥]، فمعنى ﴿خَاشِعَةٌ﴾ يعني ذليلة.
﴿عَامِلَةࣱ نَّاصِبَةࣱ﴾ [الغاشية ٣]

وقوله ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ عاملةٌ عملًا يكون به النَّصَب، وهو التعب.قال العلماء: وذلك أنَّهم يُكلَّفون يوم القيامة بجرِّ السلاسل والأغلال والخوضِ في نار جهنم -والعياذ بالله- كما يخوض الرجُل في الوحل، فهي عاملةٌ تَعِبةٌ من العمل الذي تُكَلَّف به يوم القيامة؛ لأنه عملُ عذابٍ وعقابٍ -نسأل الله العافية- وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا.

🔹وذلك لأنَّ الله قيَّد هذا بقوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يومَ إذْ تأتي الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة، إذَنْ فهي ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ بما تُكَلَّف به من جرِّ السلاسل والأغلال والخوضِ في نار جهنم، أعاذنا الله وإيَّاكم منها.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٨١ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الغاشية ❤️

◀️
﴿تَصلى نارًا حامِيَةً۝تُسقى مِن عَينٍ آنِيَةٍ۝لَيسَ لَهُم طَعامٌ إِلّا مِن ضَريعٍ۝لا يُسمِنُ وَلا يُغني مِن جوعٍ﴾ [الغاشية: ٤-٧]

🔲 نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على مما تيسر من تفسير من سورة (الغاشية) عند قوله: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية: ٤] أي: تُدخَل في نارِ جهنَّم -والعياذ بالله- النار الحامية التي بلغتْ من حموها أنها فضِّلتْ على نار الدنيا بتسعةٍ وستين جزءًا؛ يعني نار الدنيا كلُّها بما فيها من أشدِّ ما يكون من حرارةٍ، نارُ جهنم أشدُّ منها بتسعةٍ وستين جزءًا.ويدلُّك على شدَّة حرارتها أنَّ هذه الشمس حرارتها تَصِل إلينا مع بُعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواءٍ باردةٍ غاية البرودة تَصِل إلينا هذه الحرارة التي تُدركونها، ولا سيَّما في أيام الصيف، فالنار -أعاذنا الله وإيَّاكم منها- نارٌ حاميةٌ.

ثم قال ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٥، ٦] لَمَّا بيَّن مكانَهم -والعياذ بالله- وأنهم في نار جهنم الحامية، بيَّن طعامَهم وشرابَهم فقال: ﴿تُسْقَى﴾ أي: هذه الوجوه ﴿مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أي: شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكلِّ سهولةٍ أو كلَّما عطشوا سُقُوا، لا، إنما يُؤتَون كلَّما اشتدَّ عطشُهم -والعياذ بالله- واستغاثوا كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف ٢٩]، هذا الماء إذا قَرُبَ من وُجوههم شواها وتساقط لحمُها، وإذا دخل في أجوافهم يقول عز وجل: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد ١٥]، إذَنْ لا يستفيدون منه لا ظاهرًا ولا باطنًا؛ لا ظاهرًا بالبرودة يُبَرِّد الوجوه، ولا باطنًا بالرِّيِّ، ولكنهم -والعياذ بالله- يُغاثون بهذا الماء، ولهذا قال: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾.

✴️ فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادةُ أنَّ الماء يُطفئ النار؟ أليس كذلك؟فالجواب: إنَّ أُمور الآخرة لا تُقاس بأُمور الدنيا، لو أنها قِيستْ بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصوَّر كيف يكون؛ أليست الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على قدر مِيلٍ! والميل إمَّا مِيل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو مِيل المسافة؛ كيلو وثُلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنَّه لو كانت الآخرة كالدنيا لَشوت الناسَ شيًّا، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا.أيضًا يُحشَر الناس يوم القيامة في مكانٍ واحدٍ، منهم مَن هو في ظُلمةٍ شديدةٍ، ومنهم مَن هو في نورٍ؛ ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [التحريم ٨]، يُحشَرون في مكانٍ واحدٍ ويعرقون.

🔹 منهم مَن يَصِل العرق إلى كعبيه، ومنهم مَن يَصِل إلى رُكبتيه، ومنهم مَن يَصِل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكانٍ واحد، إذَنْ أحوال الآخرة لا يجوز أن تُقاس بأحوال الدنيا. فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا:

🔵 أولًا: أحوال الآخرة لا تُقاس بأحوال الدنيا.

🟡 ثانيًا: إنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير.

🔹ها نحن الآن نجد أنَّ الشجر الأخضر تُوقَد منه النار كما قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس ٨٠] الشجر الأخضر رطب، ومع ذلك إذا ضُرِب بعضُه ببعض أو ضُرِب بالزند انقدح، خرج منه نارٌ حارَّة يابسة وهو رطبٌ بارد، فالله على كلِّ شيءٍ قدير، فهُم يُسقَون من عينٍ آنيةٍ في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.

🔸أمَّا طعامُهم فقال: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية ٦، ٧].(الضريع) قالوا: إنَّه شجرٌ ذو شوكٍ عظيمٍ إذا يَبِس لا يرعاه ولا البهائم، وإن كان أخضر رَعَتْه الإبل، ويُسَمَّى عندنا الشبرق، هذا الضريع؛ هو شجرٌ ذو شوك، إذا يَبِس لا يُرعى لأنه شوك، وإذا كان أخضر ترعاه الإبل.

🔸هم -والعياذ بالله- في نار جهنم ليس لهم طعامٌ إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظنوا أنَّ الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا، يختلف عنه اختلافًا عظيمًا، ولهذا قال: ﴿لَا يُسْمِنُ﴾ فلا ينفع الأبدانَ في ظاهرها ﴿وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه، ليس فيه إلا الشوك، والتجرُّع العظيم، والمرارة، والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئًا.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️
«بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» 💞🍃
Photo
( الدرس ٨٢ )

#سلسله_تدبير_وتفسير_جزء_عم 💛🍃

#سورة_الغاشية ❤️

◀️
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية ٨ - ١١]


🔲 هذا الدرس نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية ٨ - ١١] قسَّم الله سبحانه وتعالى الناسَ يوم القيامة إلى قِسمين:

🔵 القِسم الأول: وجوهٌ عاملةٌ خاشعةٌ ناصبةٌ، وسبق الكلامُ على ذلك.

🟡 القِسم الثاني: وجوهٌ ناعمةٌ؛ أي: ناعمةٌ بما أعطاها الله عز وجل من السرور والثواب الجزيل؛ لأنها عَلِمت ذلك وهي في قبورها؛ فإنَّ الإنسان في قبره يُنَعَّم، يُفتَح له بابٌ إلى الجنة فيأتيه من رَوحها ونعيمها، فهي ناعمة.

🔹وقوله﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية: ٩] أي: لعملها الذي عَمِلتْه في الدنيا راضية؛ لأنها وصلتْ به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح، فهي راضيةٌ لسَعْيها، بخلاف الوجوه الأولى فإنها غاضبةٌ -والعياذ بالله- غيرُ راضيةٍ على ما قدَّمت.

وقوله ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الغاشية: ١٠] الجنَّة هي دار النعيم التي أعدَّها الله عز وجل لأوليائه يوم القيامة، فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خَطَر على قلب بَشَر؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون ١ - ١١]، وقال الله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف ٧١]، فهُم في جنَّةٍ عالية، العلوُّ ضدُّ السُّفول، فهي فوق السماوات السبع، ومن المعلوم أنَّه في يوم القيامة تزول السماوات السبع والأرضون ولا يبقى إلا الجنة والنار، فهي عالية، وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الربِّ جل وعلا.

🔸وقوله ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية: ١١] أي: لا تَسمع في هذه الجنة قولةً لاغيةً أو نفْسًا لاغيةً، بل كلُّ ما فيها جِدٌّ، كلُّ ما فيها سلامٌ، كلُّ ما فيها تسبيح، تحميد، تهليل، تكبير؛ يُلهَمون التسبيحَ كما يُلهَمون النَّفَس؛ أي إنَّه لا يشقُّ عليهم ولا يتأثَّرون به، فهُم دائمًا في ذِكر الله عز وجل وتسبيحٍ وأُنسٍ وسرورٍ، يأتي بعضهم إلى بعضٍ، يزور بعضهم بعضًا، في حبورٍ لا نظير له، نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم من أهلها.

(تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ))

#نكمل_بكرة_إن_شاء_الله_تعالي ❤️